بسم اللَّه الرحمن الرحيم
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}
للّه آلام هذا الإنسان، كم عانى عبر التاريخ من الحروب والاضطهاد والمشاكل والمصاعب؟؟
هذا الإنسان الذي خلقه اللَّه ليكون خليفته في أرضه:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ}(1)، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ}(2).
الإنسان الذي منحه اللَّه السيادة على هذا الكون، وسخر كل أنظمة الكون لمصلحته وسعادته:
{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}(3).
الإنسان الذي رفعه اللَّه إلى أعلى درجات الكرامة والإجلال:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(4).
هذا الإنسان الكريم على اللَّه… كم عانى من الآلام والمحن في تاريخه الطويل؟!
كما عانى من الاستعباد والاستغلال والتفرقة والعنصرية والتعصب الطائفي والنزاعات القومية والظلم والطغيان؟!
حتى أننا لو تصفحنا تاريخ هذا الإنسان من يوم وطأت قدماه الأرض إلى يومنا هذا لما وجدنا في ذلك التاريخ الطويل صفحة واحدة تدعونا إلى الاطمئنان بأن هذا الإنسان مر عليه يوم سعادة وهناء. فصفحات تاريخ البشرية كلها مصبوغة بلون الألم مكتوبة بحروف الشقاء التي أملاها بقلم الظلم والاضطهاد والانحراف.. اللهم إلا بعض السطور القصيرة التي تتميز حروفها بالراحة والسعادة التي وفرتها الرسالات السماوية في فترات ضئيلة متباعدة لا تكاد تشكل شيئاً في سجل التاريخ الأليم.
أوراق التاريخ القديم:
فحينما نتصفح أوراق التاريخ القديم تطالعنا فصوله بمشاهد الألم وظروف البؤس والشقاء.. ففي إحدى صفحات التاريخ القديم نجد المشاهد التالية:
فئة كبيرة من الناس سئمت حياة العبودية والاستغلال وبدأت تعيد النظر في قناعاتها وعقائدها حل الكون والحياة فتوصلت إلى قناعة سلمية هي الإيمان بوجود اللَّه تعالى والكفر بالسلطة التي فرضت نفسها إلهاً حاكماً متصرفاً تستعبد الناس كما تشاء.. فماذا كان مصير هذه المجموعة البشرية؟
لقد حفرت السلطة لها خندقاً (أخدوداً) كبيراً، وجمعت فيه الكثير من الحطب وأضرمت فيه النار وساقت أفراد تلك المجموعة المؤمنة إلى ذل الأخدود الملتهب لتصبح أجسامنا رماداً في ناره!! لا لشيء إلاّ لأن هذه المجموعة تعتنق عقيدة معينة هي الإيمان باللّه!!
يا له من مشهد مؤلم فظيع إذ تتساقط نفوس بريئة طيبة في لهيب النار ورجال الجريمة يتفرجون عليهم ببسمة وارتياح!!
حتى السماء قد غضبت لهذه الجريمة النكراء فخلدتها في قرآنها الحكيم وبأسلوب يفيض بالارتياع والدهشة.
يقول تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(5).
ونقرأ في صفحة أخرى من التاريخ القديم: أن ملكاً طاغية يقال له (فرعون) رأى طيفاً ذات ليلة في منامه فانزعج منه فسأل الكهنة والسحرة عن تفسير ذلك الحلم المزعج الذي عكّر على جلالته صفو النوم والارتياح!!
ففسروا له طيفه بمجيء غلام من فئة ضعيفة من الشعب (بني إسرائيل) يكون على يديه انتهاء ملك فرعون وطغيانه.
أتدرون ماذا صنع الطاغية بتلك الفئة المستضعفة من أجل المحافظة على بقاء ملكه واستمرار حكمه؟
لقد عمد إلى جميع الأولاد الذكور من بني إسرائيل فأعدمهم صبراً ثم جمع النساء الحوامل وجعلهن تحت المراقبة، وأصدر أوامره السامية التي تنص على أن أي امرأة تلد ولداً ذكراً فلا يجوز أن يعطى له حق الحياة أكثر من اللحظات التي تستغرقها عملية الذبح!! وتطبيقاً للأوامر الملكية الطاغوتية قتل مئات الأطفال الأبرياء حفاظاً على كرسي الحكم وتاج الملك الطاغية فرعون!!
وهكذا تستقبلنا مشاهد الظلم والألم والعذاب التي عاشها الإنسان في أعماق التاريخ كلما فتشنا في صفحات وقلبنا أوراقه.. ففي إحدى الأوراق نقرأ المآسي الأليمة التالية:
فرضت السلطات الأموية الحجاج بن يوسف الثقفي أميراً على العراق لمدة عشرين سنة، ولما مات الحجاج سنة 95 هجرية يقول المؤرخ المسعودي في مروج الذهب إنه: ( أحصي من قتله صبراً سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفاً (120.000)، وفي حبسه خمسون ألف رجل (50.000) وثلاثون ألف امرأة (30.000) منهن ستة عشر ألفاً مجردةً -بلا ثياب (16.000).
وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ولا من المطر والبرد في الشتاء!!
وركب يوماً يريد الجمعة، فسمع ضجة فقال: ما هذا؟ فقيل له: المحبوسون يضجون ويشكون ما هم فيه من البلاء، فالتفت إلى ناحيتهم، وقال: اخسؤوا فيها ولا تكلمون ) (6).
سجلات التاريخ الحديث:
هذا في فصول التاريخ القديم، فماذا عن سجلات التاريخ الحديث؟
هل تروي لنا أبناءً سعيدة تسرّنا بتجاوز الإنسان فترة الشقاء والألم؟ أو على الأقل هل تبشّرنا بانخفاض درجة العذاب وحرارة الشقاء؟ أما ماذا؟
إن التاريخ ليحدثنا بمضض عميق عن معاناة الإنسان في مطلع التاريخ الحديث!! فقد تراكمت عليه سحب الشقاء وازدادت حدة الألم، وتوالت عليه خناجر العذاب.. فقد شهدت تلك الفترة تقدماً هائلاً وتطوراً ملموساً في آلات الدمار ووسائل العذاب وأسلحة الشقاء. وكان الضحية الأولى لذلك التقدم هو هذا الإنسان الممتحن.
وإليكم بعض السطور من تاريخ الشقاء الحديث الذي عاشته الإنسانية المعذّبة:
قامت الحرب العالمية الأولى وانتهت مجازرها البشعة بعد أن بلغ عدد قتلى الإنسانية فيها (22) مليون إنسان، أما المصابون فلا عدّ لهم!
وبعد سنوات قليلة سجّرت نار الحرب العالمية الثانية التي التهمت ما يزيد على (70) مليون إنسان!
وأما أضرار التدمير فلا يزال الإنسان يعاني منها إلى الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة؛ فقد أصدرت السلطات المختصة في مدينة هيروشيما اليابانية إحصاءات تقول فيها: إن (19) ألف شخص لا يزالون مسجلين لديها بأنهم متضررون من القنبلة التي ألقيت فوق المدينة في مثل هذا الشهر من العام 1945.
والسبب في ذلك يعود إلى المطر الأسود الذي هطل فوق المدينة بعد مرور (45) دقيقة فقط على إلقاء القنبلة، وهو مطر مشحون بالشعاع الذري! إلا أن هؤلاء غير محسوبين رسمياً من المتضررين، لأنهم كانوا يقيمون في ضاحية هيروشيما عند إلقاء القنبلة عليها. والأمراض التي يشكو منها هؤلاء منذ 29 سنة هي الضعف الجسدي العام، والشعور بالدوار، وكذلك التقيؤ الدوري(7).
وبلغ عدد الذين أبادتهم بريطانيا العظمى (…) من أجل إخضاع الصين لتاجها أكثر من عشرين (20) مليون إنسان، وكانت فرنسا تستعمر الجزائر رغم إرادة شعبها الذين قاوموا الاستعمار بعنف، ولم تستجب فرنسا لنداء الحرية المدوي في صفوف الشعب الجزائري، إلا بعد أن قتلت من ذلك الشعب المضطهد ما يقارب المليونين نسمة وبصورة بشعة قاسية.
ففي أثناء حرب الجزائر طلب حكام فرنسا من القائد العام للجيش: أن يحول أجمل مسجد في الجزائر إلى كنيسة، فوقع اختياره على مسجد الحي الأورلي في القشارة فتقدمت مجموعة من آلية الهندسة للسلاح الفرنسي إلى المسجد، وكان الوقت وقت صلاة المغرب، وكان المسجد غاصاً بالمصلين الذي قدر عددهم بـ(1400) مصلٍّ، فدخلوا عليهم وقتلوا فيهم إلى منتصف الليل، حيث أبادوهم جميعاً(8).
واندلعت الحرب العنيفة في الهند الصينية بين شطري فيتنام واستمرت لمدة ثلاثين عاماً، ثم كانت النتائج الأليمة التي تحملها الإنسان من رواء حرب الاستعمار والمصالح كالتالي:
أكثر من ثلاثة ملايين ومائتين ألف قتيل (3.200.000) بين مدني وعسكري. وسبعة ملايين وأربعمائة وثلاثة وخمسين ألف جريح (7.453.000) بين مدني وعسكري. وأربعمائة ألف عاجز (400.000).
كما ألقى الطيران الأميركي من سنة 1961 إلى سنة 1972م زهاء ستة ملايين وسبعمائة وسبعة وعشرين ألف طن من القنابل (6.727.000) على منطقة الهند الصينية!
وألقت الطائرات الأميركية واحد وسبعين مليون لتراً (000 ,000 ,71) من المواد الكيمياوية السامة على منطقة في جنوب فيتنام توازي مساحة إيرلندا الشمالية!(9)
الواقع المعاصر:
وماذا عن واقع الإنسان المعاصر؟
إنه واقع البؤس والدمار، فكم من شعب يعيش الاستعمار والتشريد والحرمان على مسمع العالم ومرآه؟
فهذا الشعب الفلسطيني المضطهد، وقد تواطأت الدول الكبرى على سلب أرضه وتشريده من وطنه، وإحلال فلول الصهيونية مكانه، ليبنوا لهم دولة الحلم والأمل في فلسطين المقدسة!
وهكذا يحتل اليهود الغرباء فلسطين ويحولونها إلى ترسانة سلاح، بينما يعيش الشعب الفلسطيني مشرداً بعيداً عن أرضه ووطنه رغم إصرار هذا الشعب وكفاحه من أجل استرداد أرضه السليبة.
فمنذ سنة 1948م وإلى الآن سنة 1978م لا يزال هذا الشعب يقدم الضحايا والشهداء والقرابين داخل فلسطين وخارجها بيد أن إرادة الاستعمار لا تزال تفرض عليه حياة التشريد والعذاب! إنها لجريمة العصر التي لا تغتفر.
ولكن القضية الفلسطينية ليست هي الجريمة الوحيدة التي تشهد على شقاء إنسان هذا العصر ومآسيه، فهناك جرائم أخرى لا تقل بشاعة.. فهذا الشعب الأرتيري لا يزال يعاني من الاستعمار والتسلط الأثيوبي الظالم، والذي يجيد فن المذابح والمجازر الجماعية للسكان الأبرياء.
( وقد شهدت ميدينة (حرقيقو) الواقعة على بعد 12كم إلى الجنوب من ميناء (مصرع) مجزرة بشعة في 10 نيسان 1975م ذهب ضحيتها أكثر من (500) شخصاً معظمهم من العجزة والنساء والأطفال! حيث أغارت القوات الأثيوبية على المدينة فجراً، وبدأت بالقتل الجماعي، ثم تركت الجثث لمدة أسبوع كامل دون مواراة مع مرابضة القوات الظالمة! )(10).
وفي روديسيا وجنوب أفريقيا لا يزال الحكم العنصري يصادر حقوق الإنسان هناك ويسلب كرامته.
هذا ويعلم اللَّه كم عدد المعتقلين والأسارى في سجون هذا العالم.
فالولايات المتحدة الأمريكية تقول صحفها:
إن السجون مكتظة بالنزلاء الذي يصل عددهم إلى نحو (35) ألف شخص(11). وقبل أيام قليلة احتفلت إحدى الدول التي لا يزيد عدد سكانها عن (7) ملايين نسمة، احتفلت بأحد أعيادها وذكرت أنها أصدرت العفو عن (7) آلاف سجين من معتقلاتها بتلك المناسبة. ترى كم سجين تضم تلك الدولة الصغيرة؟
ثم هل تعرفون الأوضاع التي يعيشها المساجين والمعتقلون، إنها أوضاع قاسية بشعة مؤلمة إلى أبعد الحدود، في أكثر سجون العالم.
فمع التقدم العلمي والصناعي حدث تقدم وتطور فظيع في أساليب تعذيب الإنسان وسحق كرامته وتحطيم أعصابه.
فمن الضرب بالسياط إلى حد الإدماء والإغماء، إلى التعذيب بتعليق الإنسان المعتقل كالشاة من يديه ورجليه، ثم الانهيال عليه بالسياط والكرباج إلى أن تتفجر كل أنحاء جسمه بالدمن إلى إجباره على شرب الماء المالح جداً ومياه القذارات والبالوعات!
إلى إرغام الشخص على الجلوس بقوة على قنينة (كوكا كولا) حتى تدخل دبره وتمزّق أطرافه إلى تسليط أسلاك الكهرباء على المناطق الحساسة من جسم الإنسان المعذّب. إلى شد جهاز التناسل بعنف وتجريحه!(12)
وإلى ما هنالك من الوسائل الجهنمية البشعة التي يعاني منها الإنسان المعاصر في معتقلات العالم.
وماذا عن مستقبل الإنسانية؟
من الجميل جداً ومما يريح النفس أن تتفاءل للإنسانية بمستقبل سعيد، وأن نعقد آمالنا على غدٍ مشرق، تسطع فيه على الإنسان شمس الراحة والأمن والسلام..
بيد أن أنباء التنافس الحادّ على إنتاج الأسلحة الفتاكة المدمرة وأخبار التجارب النووية الرهيبة وتقليعات القنابل الذرية والهيدروجينية والنيترونية الحديثة..
هذه الأنباء تعصف أي بارقة أمل يزرعها التفاؤل في النفس بمستقبل السعادة والهناء.. وتنسف كل ذرة اطمئنان تلوح في أفق الضمير.. وتقضي على أي نسمة ارتياح تهب على شاطئ الخيال..
فأي تفاؤل تقبله النفس ويرتاح إليه الضمير الإنساني في ظل أبناء الرعب التي سننقل بعضاً منها:
تمتلك البشرية اليوم من القنابل الذرية والهيدروجينية ما يكفي لتدمير الأرض كلها (12) مرة ونصف!(13).
وكان في حوزة الاتحاد السوفييتي عام 1974م (1520) صاروخاً عابر القارات، و (270) صاروخاً نووياً خاصاً بالغواصات، و (700) صاروخاً متوسطة المدى، و (200) صاروخاً قصيرة المدى!!
أما أميركا فقد كان لديها (1054) صاروخاً عابر القارات، و (544) صاروخاً خاصاً بالغواصات، و (1000) من الصواريخ المتوسطة المدى، و (1000) من الصواريخ القصيرة المدى(14).
ولا أدري لمن تعد هذه الأسلحة الفتاكة وضد من ستوجه هذه الصورايخ؟ هل إلا إلى قلب حياة هذا الإنسان المعذب، وإلى صميم سعادته وجوده؟!
ويقول معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن، في دراسة نشرها عام 1972م: إن المخزون النووي لكل شخص على وجه الأرض يبلغ خمسة عشر طناً من مادة (ت. ن. ت.) في حين أن مخزون المواد الغذائية لا يزيد عن نصف طن للشخص الواحد!!
ويضيف التقرير: إن حجم الإنفاقات العسكرية في العالم يساوي الدخل القومي لدول العالم الثالث، وأن الدول المتخلفة تنفق ما بين 30 و 60 بالمائة من مزانيتها على السلاح(15).
والأبشع والأغرب من كل ذلك هو هذا الاختراع الجديد: (قنبلة النيترون) والتي لا تصيب العمارات والمصانع والآلات بأي سوء يذكر، ولكنها تفني الإنسان والأحياء وتسلبهم الحياة في لحظات قصيرة.
أرأيتم مدى عذاب الإنسان ومعاناته في هذا العالم!
فوجوده بكل صراحة غير مهم ولا قيمة له ولكن المهم هو سلامة العمارات والمصانع!! وهناك سلاح سام رهيب كيماوي بيولوجي، يستخرج من جرثومة اسمها: Ghlostridium Botulinus، وهي تسبب عادة تسمماً غذائياً مميتاً، ويكفي ما مقداره 8 أونس أي حوالي (225) غراماً لقتل كل سكان العالم(16).
أما مادة (ال - اس - دي L. S. D.) فيكفي أن نضع منها كيلوغراماً واحداً في خزان مياه لتعطيل سكان مدينة بأسرها بالتأثير على الأجسام والعقول معاً. ويقول الدكتور (جرودن تيلور) البريطاني:
( لقد أوصى الجنرالات الأميركان باستعمال (L. S. D.) في الحرب لأنها تؤثر على عزيمة وإرادة المقاومة عند الأعداء مدعين -أي الجنرالات الأميركان- أن هذا السلاح هو سلاح إنساني!! لا يسبب إراقة الدماء!!! ) .
وتقول بعض المصادر: إن الولايات المتحدة الأميركية تملك كمية مخزون من غازات الأعصاب القاتلة تكفي لإبادة سكان العالم جميعاً.. حتى ولو كان عددهم أكثر مما هو الآن بثلاثين مرة. وأن روسيا تملك قدرة تفوق قدرة العالم الغربي بسبع أو ثمان مرات في مجال الأسلحة الكيماوية والجرثومية(17).
فباللّه عليكم في ظل هذه الأوضاع المأساوية والأنباء المؤلمة كيف يمكن للأمل أن ينمو وللتفاؤل أن يمكث في النفس..
كيف الخلاص؟
مع ملاحظة لها أهمية بالغة وهي: أن الأمل لا يمكن أن يوجد في فراغ من التصوير والتفكير.. والتفاؤل ما لم تدعمه مبررات واحتمالات تجعله شيئاً وارداً ومقبولاً في فكر الإنسان.
فهل هناك تصور متكامل لتحقيق حلم الإنسانية السعيد ببناء حياة الأمن والاستقرار والسلام؟
هل توجد فكرة شاملة يمكن للإنسان أن يؤمن بأن تطبيقها سيوفر له ما حرمته منه سنون التاريخ وعصوره من السعادة والكرامة والارتياح؟
وبعبارة أخرى: ما هي الخطة المستقبلية المحتملة التي يمكن للإنسان أن يعلق عليها آمال الخلاص والإنقاذ؟؟
لفترة خلت كانت أنظار الإنسانية متجهة صوب المؤسسات الدولية التي تبنت الدفاع عن قضايا الإنسانية ورفعت شعارات حقوق الإنسان وأمن الإنسان واستقلاليته: كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أو كتلة عدم الانحياز أو منظمة العفو الدولية التي استقطبت أنظار الناس المعذبين المضطهدين فترة طويلة من الوقت.. ولكن هل استطاعت هذه المؤسسات أن تكنس الألم والحروب والاستعمار والمشاكل من حياة الإنسان؟ وهل بقي للإنسان فيها شيء من الأمل أمر أصبح أمام طريق مسدود من اليأس؟
يكفي أن نقول: إن الإنسان قد تأكد وتوفرت لديه القناعة الكافية بأن هذه المؤسسات لم تفلح في توفير السعادة والأمن والاستقرار لشعوب العالم.. وقد انقطع ظنه منها وخاب أمله فيها!!
إذن فما هي الخطة المحتملة لإصلاح العالم وإنقاذ الإنسانية؟ وإلا فهل كتب على الإنسان أن يعيش حياة الفناء والألم من أول يوم وطأ فيه أرض هذا الكوكب وإلى أن يرحل منه عند قيام الساعة؟
أسوف لا يسعد الإنسان بلحظات سعادة وهناء على سطح الكرة الأرضية؟
الإسلام رسالة أمل؟
إننا نتحدى أي إنسان معاصر يعلن تفاؤله وأمله في مستقبل الإنسانية أن يقنعنا بخطة ممكنة وفكرة محتملة للإصلاح العالمي والتغيير الشامل.
والمنبع الوحيد لروافد الأمل والتفاؤل هو الإسلام فقد والذي يؤكد في نصوصه وتعاليمه ضرورة انبثاق فجر السعادة في تاريخ الإنسانية، ويصر على حتمية انتصار واقع العدالة والأمن والاستقرار على جحافل الظلم والشقاء والألم الذي يؤطر حياة الإنسان عبر التاريخ.
الإسلام، والإسلام وجده يحمل للإنسان رسالة أمل وفكرة تفاؤل تنقذ الإنسان من قلق اليأس القاتل تدعمها خطة إصلاحية شاملة وتصور تغييري متكامل.
مستقبل الإنسانية في القرآن:
مجموعة كبيرة من آيات القرآن الحكيم تؤكد هذه الحقيقة، وتبشر بعهد سعيد، لابد وأن يسود العالم وتنعم البشرية بالأمن والرخاء والعدالة والحرية وجميع مستلزمات الحياة الكريمة.
يقول القرآن الحكيم:
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(18).
فالإسلام ما هو إلا امتداد للرسالات السماوية السابقة والتي تبشر كلها بمستقبل سعيد للإنسانية فلابد وأن يكون حكم الأرض وسيادة العالم للطليعة المؤمنة الصالحة.. وحينما يكون الحكم بيد طليعة مؤمنة صالحة فتلك هي فرصة السعادة وعهد الرخاء.
ويقول تعالى:
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}(19).
فالرسل هم دعاة السعادة والعدالة والحرية وأتباعهم الذين نذروا أنفسهم لخدمة تلك الأهداف المقدسة.
هؤلاء الرسل وأتباع الرسل كم عانوا من الأذى والألم والاضطهاد!
إن معاناة الرسل والأتباع أشد من معاناة سائر الناس، لأن الرسل وأتباعهم كانوا يتزعمون جبهة النضال والجهاد من أجل سعادة البشرية وكرامتها، ولذلك فقد اتجهت حراب الظلم والطغيان نحو صدورهم السامية، مما صيّر حياة الأنبياء وأتباعهم قطعة من الألم والعذاب في سبيل اللّه. ولكن اللَّه تعالى يتعهد لجميع الرسل والمؤمنين بأهدافهم النبيلة.. يتعهد لهم بإتاحة الفرصة لهم في هذه الحياة ليقطفوا ثمار جهادهم وجودهم وليتذوقوا حلاوة النصر العاجلة في الدنيا بالإضافة إلى ثواب اللَّه الآجل في الآخرة.
ويقول اللَّه سبحانه وتعالى:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(20).
وقد تكررت هذه الآية ثلاث مرات في القرآن الكريم لتؤكد وعد اللَّه بسيطرة الدين الإسلامي على ربوع المعمورة وظهوره الفعلي والتطبيقي بعد فشل جميع المبادئ والأديان الأخرى.
ويقول تبارك وتعالى:
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}(21).
فالفئات المضطهدة المستضعفة المحرومة في الأرض والتي من أظهر مصاديقها أئمة الحق أهل بيت محمد صلوات اللَّه عليهم أجمعين… سيمن اللَّه عليهم وسيتيح لهم المجال ليكونوا أئمة العالم وقادته عملياً وليرثوا مكاسب وثروات الكون في ظل دولة العدالة والإيمان.
إنها لآيات صريحة كلها تؤكد انتصار الحق أخيراً، وأخذه بزمان العالم إلى شاطئ الأمن والإيمان.
ولاشك أن هذه الوعود لم تتحقق فيما مضى من تاريخ الإنسان وليس هي الآن متحققة في واقع الإنسان. فليس أمامنا إذن إلا التشكيك بصدق هذه الوعود -والعياذ باللّه- أو الإيمان بأنها ستحقق في المستقبل. وإذا كان لا يمكننا التشكيك في صحة هذه الوعود وصدقها لأنها {وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ}(22)، و {إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}(23) فلابد لنا إذن من الاطمئنان بأن هذه الوعود ستصبح حقيقة واقعة في مستقبل الحياة وإن طال الأمد.
كيف يتحقق الأمل؟
ولكن كيف يتحقق ذلك الأمل العظيم الذي تشرئب إليه أعناق البشرية وخاصة كلما لسعتها سياط الظلم ونالت منها حراب الجور والطغيان؟
ومتى يتحقق؟ وما هي خطة الإصلاح والتغيير المرتقبة؟ وعلى يد من تكون؟
هذه أسئلة ملحة تشغل بال الإنسانية منذ عصور وعصور.. ولأهمية هذه الأسئلة وخطورتها في حياة الإنسان لتعلقها بمصير الإنسانية ككل، فقد تكفلت السنة الشريفة عبر أحاديث الرسول محمد صلى اللَّه عليه وآله والقادة من أهل بيته المعصومين تكفلت بوضع الإجابات المفصلة الكاملة على جميع الأسئلة الخطيرة. حتى بلغت الأحاديث الواردة حول هذه القضية أكثر من (6000) حديث. وقلّ أن يتوفر في قضية إسلامية مثل هذا العدد الضخم من الأحاديث.
فماذا تقول تلك الأحاديث؟
إنها تؤكد بإصرار شديد ذلك الوعد القرآني المقدس ببناء مجتمع العدالة والإيمان والتقدم في هذه الحاية وبإشادة دولة الحق العالمية في ربوع الكرة الأرضية.
وخطة الإصلاح والتغيير هي شريعة الإسلام المجيدة، وتوقيتها نهاية هذه الحياة وقبيل قيام الساعة وحلول القيامة. فهي نهاية مطاف البشرية وآخر خطوة في مسيرة الإنسان في هذه الحياة.
أما رائد هذه الثورة العالمية، وقائد عملية الإنقاذ والتغيير الشامل فهو رجل من ذرية رسول الإسلام محمد صلى اللَّه عليه وآله لا يفصل بينه وبين الرسول الأعظم إلا اثنا عشر أب.
فهو الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي بن محمد الهادي بن الإمام محمد بن علي الجواد بن الإمام علي بن موسى الرضا بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم بن الإمام جعفر بن محمد الصادق بن الإمام محمد بن علي الباقر بن الإمام علي بن الحسين السجاد بن الإمام الحسين بن علي الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام جميعاً أفضل الصلاة والسلام.